"دَارْتْ" أو "القُرْعَة" في المغرب .. أداء مالي تكافلي يتوسط الجدل الفقهي - اليوم الإخباري

0 تعليق ارسل طباعة

عملية “دارت” أو “القُرعة” من طرق الادخار التقليدية والمعروفة عند المغاربة والتي يفضلها الكثيرون منهم. وتعتمد هذه العملية على عامل الثقة بين المشاركين، حيث يؤدي كل منهم شهريا مبلغا معينا من المال يتم الاتفاق عليه مسبقا، على أن يحصلوا واحدا تلو آخر على مجموع المساهمات في شهر معين.

وإذا كانت هذه الطريقة، التي لا تقتصر على المغرب وتنتشر في بلدان أخرى تشارك المغاربة نفس الثقافة والدين، تتسم بقيم التكافل والتضامن الاجتماعي؛ فإنها لا تخلو من انتقادات يطلقها بعض الفقهاء و”الدعاة الفيسبوكيون”، الذين يحاكمون من خلالها نوايا الناس ويدعون إلى تحريم هذه الممارسة باعتبارها “ممارسة ربوية تجر نفعا”.

ورفض عدد من الباحثين وذوي الاختصاص الذين تحدثوا لجريدة هسبريس الإلكترونية هذا الرأي، مؤكدين أن هذا “التحريم” يتعلق بممارسة تلقائية تحقق مصلحة مجتمعية. ورفض هؤلاء المصرحون إدخال مثل هذه الممارسات المالية الاجتماعية في مجال الفقه، الذي يشهد نقاشات وخلافات بين المدارس الفقهية الإسلامية.

تفاعلا مع الموضوع، قال لحسن بن إبراهيم سكنفل، رئيس المجلس العلمي المحلي لعمالة الصخيرات تمارة، إن هذه “المعاملة المسماة بـ ‘دَارْتْ’ عند المغاربة، والتي تُعرف في مصر بـ ‘الجمعية’، تعتمد على اجتماع مجموعة من الناس، سواء كانوا رجالا أو نساء، يضع كل واحد منهم مبلغا شهريا متفقا عليه لمدة محددة، حيث يستفيد كل فرد من أفراد تلك الجماعة من المبلغ المجموع شهريا بالتتابع؛ ولهذا سميت هذه المعاملة ‘دارت'”.

وأضاف سكنفل، في تصريح لهسبريس، أن “من صور هذه المعاملة أن يتفق اثنا عشر فردا على أن يساهم كل واحد منهم بألف درهم شهريا لمدة سنة، ويتم الاتفاق على من يأخذ المبلغ المجموع (12 ألف درهم باحتساب مساهمته أيضا) في كل شهر بالتوالي؛ فالذي يأخذ 12 ألف درهم في الشهر الأول يساهم بألف درهم في الأشهر اللاحقة لمدة 11 شهرا، وهكذا حتى يأخذ المستفيد الأخير المبلغ في الشهر الثاني عشر”.

وأشار المتحدث إلى أن هذه المعاملة تشتمل على معنى التعاون، حيث يلتزم الجميع بالمساهمة بالمبلغ المحدد كل شهر؛ وبالتالي فهي ليست قرضا يجر نفعا، فالمستفيدُ الأول يعيد مساهمات الآخرين دون زيادة، والمستفيد الأخير يسترد ما دفعه دون زيادة أيضا”.

وفيما يخص النقاش حول شرعية هذه العملية، أكد رئيس المجلس العلمي المحلي لعمالة الصخيرات تمارة أن “ما ذهب إليه بعض العلماء فيه نوع من التكلف في البحث عن علة التحريم استنادا إلى القاعدة المعروفة (كل قرض جر نفعا)؛ وحتى لو فرضنا أن هذه العملية تتضمن معنى القرض، فإنه قرض لا يجر نفعا بل يحقق منفعة ومصلحة”.

من جهته، قال محمد عبد الوهاب رفيقي، باحث في الدراسات الإسلامية، إن “البعض يتشدد في مواقفهم تجاه عدد من الأمور التي تحتاج إلى تيسير، لما فيها من مصلحة ومنفعة للناس. وإذا كانت الأضرار الناتجة عن هذه المسائل غير ظاهرة أو خفية، فلا يمكن لأي فاعل أن يدقق في بعض الإشكالات الفقهية التي لا يعرفها إلا المختصون؛ مما يؤدي إلى تعْسير حياة الناس”.

وشدد رفيقي على أن “عملية ‘دارت’ هي عملية تعاون وتكافل بين الناس بهدف الادخار وتوفير مبلغ معين، سواء لشراء بعض الاحتياجات أو لقضاء أمور أخرى. ويلجأ إليها العديد من المواطنين الذين يصعب عليهم الادخار الفردي، خصوصا في ظل الوضع الاقتصادي الحالي وارتفاع أسعار المواد الأساسية. لذلك، يعتمدون على هذه الطريقة التقليدية لجمع المال بشكل جماعي، حيث يسترد كل واحد منهم ما دفعه دون زيادة أو نقصان”.

وأوضح الباحث، في تصريح لهسبريس، أن “القول بأن المال المتحصل عليه من هذه العملية يجر نفعا أو يتضمن شيئا من الربا يعتبر كلاما بعيدا عن المنطق الذي يتعامل به الناس. وهذا قد ينطبق على بعض المعاملات المالية الكبرى، وليس على ‘دارت'”، مبرزا أن “الدفع بوجود الربا في هذه العملية استنادا إلى قاعدة (كل قرض جر نفعا فهو ربا) هو قضية قابلة للنقاش ويشهد اختلافا فقهيا كبيرا، إذ إن هناك عقودا يجيزها الفقه الإسلامي رغم أنها تتضمن بعض النفع. ولذلك، فإن إدخال هذه العملية البسيطة في مثل هذه النقاشات الفقهية الدقيقة ليس منطقيا”.

أخبار ذات صلة

0 تعليق