الرغفان.. خبز الشمس ملك الموائد في صعيد مصر - اليوم الإخباري

0 تعليق ارسل طباعة

القاهرة: «اليوم الإخباري»
يتصدر خبز الرغفان موائد الطعام في صعيد مصر، على نحو يجعل منه ملك الموائد على مدار العام، إذ لا يكاد يخلو منه بيت في مدن وقرى الصعيد، بدءاً من المنيا وانتهاء بمدينة أسوان في أقصى الجنوب.
تتعدد تسمية الخبز التقليدي في صعيد مصر، إذ يطلق عليه في بني سويف والمنيا «البتاو»، بينما يطلق عليه أهالي النوبة وأسوان اسم «الدوكة»، وهو عبارة عن نوعين من الخبز، الأول سميك إلى حد ما ويطلق عليه «كابد»، وهو يشبه حلوى القطايف التي تصنع خلال شهر رمضان، بينما الآخر رفيع، ويطلق عليه «الشدي»، هو يشبه خبز التورتلا، ويؤكل ساخناً مع الوجبات التقليدية في الصعيد مثل الويكة، التي تصنع من ثمار البامية بطريقة خاصة.
يعد الخبز الشمسي هو الأشهر بلا منازع بين رغفان الصعيد المصري، ويتم إعداده بطريقة خاصة، حيث يعجن الطحين قبل تجهيز الخبز بيوم، فيما تعمل النسوة في اليوم التالي على «تقريص» العجين، أي تقطيعه إلى أقراص صغيرة، ترص على أوانٍ فخارية مسطحة تحت أشعة الشمس الحارقة التي تتولي عملية تخمير العجين، قبل أن تعمل النسوة بما يعرف بعملية التجريح التي تتم بواسطة شوكة نخيل، وهي عبارة عن رسم خط دائري حول قرص العجين، وتشريطه من المنتصف برسم رقم 11 وهو طقس فرعوني قديم، حسبما يقول باحثون في التراث الشعبي، يرمز إلى «رع» الذي يرمز له دائماً في النقوش الفرعونية بقرص الشمس.
تدخل أقراص الخبز الشمسي إلى الأفران لحين النضج، قبل أن تقدم ساخنة أو باردة على موائد الطعام، وهي تختلف عن نظيرتها التي تخبز في بلدان أخرى بالصعيد، فالخبز الذي يصنع في بنى سويف والمنيا والذي يطلق عليه «البتاو»، هي خليط من حبوب القمح المخلوط بالحلبة، ما يمنحه مزية البقاء لفترة أطول، إذ لا تفسد الرغفان بطول مده التخزين، بينما يختلف الأمر في أسيوط وسوهاج وقنا، إذ يتميز الخبز الشمسي باحتوائه على كمية من اللبابة الطرية، التي تمنحه مذاقاً طيباً، خصوصاً إذا ما تم تناوله مع بعض الوجبات الشهيرة، مثل الملوخية والشلولو والويكة.
لا تتوقف فوائد الرغفان في صعيد مصر، عن حد كونها إرثاً تحافظ عليه الكثير من القبائل، وإنما يمتد إلى فوائد صحية أخرى، إذ يقول كثير من خبراء التغذية إن «العيش الشمسي» يصنف ضمن المخبوزات الصحية، التي لا تسبب أضراراً، بعكس المخبوزات الأخرى، مثل الخبز الأبيض، إذ إن عملية تخمير العجين تحت حرارة الشمس، تقتل العديد من أنواع البكتريا التي قد توجد في الخبز أثناء عملية التخمر.
تتطلب صناعة الخبز الشمسي صبراً ودقة، يليقان بالمرأة المصرية، كما أنه لا يخلو من مظاهر فرحة، إذ تشارك في صناعته التي تستغرق يومين كاملين، العديد من نساء العائلة الكبيرة، حيث يعمل بعضهن على تحليل الدقيق وتنقيته من الشوائب، وتتولي أخريات عملية العجين بخلط الدقيق في الماء الساخن، قبل أن يشرعن في تقريص العجين بتقطيعه إلى أقراص صغيرة، ترصها الفتيات الصغيرات في أطباق دائرية يتم صناعتها من الفخار، قبل أن يضعنها تحت أشعة الشمس حتى تمام التخمير، قبل أن تنتهي أقراص الخبز إلى جوف الأفران البلدية، التي تتم صناعتها من الطمي، لتخرج الأرغفة الشهية، التي لم تفقد رغم آلاف السنين حضورها الأثير على موائد الصعيد المصري.

أخبار ذات صلة

0 تعليق