خاص | النقار | أنس دماج
يزداد الوضع الإنساني المزري من مآسي اليمنيين، وآخر هذه المآسي ذهاب المئات من الشباب، إن لم يكن الآلاف، للقتال في الحرب الروسية الأوكرانية. يُجند هؤلاء اليمنيون كمرتزقة عبر شبكات تبدأ من اليمن، وتمر بسلطنة عمان، وتنتهي في روسيا.
ظهرت هذه المأساة إلى العلن في منتصف سبتمبر/أيلول 2024، عندما ظهر عدد من اليمنيين في تسجيل مرئي يناشدون الرئاسة والسفارة اليمنية في موسكو، شاكين حالهم وهم في خطوط التماس، وكاشفين عن مقتل الكثير منهم في جبهات القتال.
منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ظهرت العديد من التسجيلات المرئية لعشرات اليمنيين في جبهات القتال الروسية يناشدون الحكومة والسفارة إعادتهم، وقد أصبحوا يواجهون الموت وجهاً لوجه.
تفيد مصادر مطلعة أن كثيراً من اليمنيين الذين ذهبوا إلى روسيا كانوا يعلمون بأنهم سيذهبون للقتال، لكن بعضهم تفاجأ عندما وصلوا إلى هناك، إما بضراوة القتال، أو بأن المبلغ الذي كان مقررًا استلامه عند الوصول إلى روسيا أقل بكثير مما تم الاتفاق عليه، مما أثار إشكاليات بين المرحلين وشبكات التجنيد.
وتقول مصادر أخرى إن كثيرين غُرر بهم، وكان الاتفاق أن يعملوا كحراس في شركات أمنية، وبعضهم في مصانع، وآخرون في أعمال فنية مرتبطة بالصيانة العسكرية.
يقول هاني سفيان من تعز إن شقيقه تم الاتفاق معه عبر أحد أعضاء شبكة التجنيد، الذي كان يتواصل معه عبر الواتساب على أن يتم تسليمه 5 آلاف دولار عند وصوله روسيا، وعندما وصل لم يستلم سوى ألف وخمسمئة دولار، ثم نُقل إلى الجبهة، وما يزال هناك منذ قرابة الشهرين، وانقطع الاتصال به منذ أكثر من أسبوعين.
لكن محمد الحميري من إب يقول إن أحد أقاربه انتقل إلى صلالة بعمان عبر منفذ شحن بالمهرة، ووصل إلى روسيا عبر دبي قبل 3 أشهر، وهو في جبهة القتال منذ أكثر من شهرين، ويستلم شهرياً ألفي دولار.
ويرى الصحفي فتحي بن لزرق أن اليمنيين العالقين في الحرب الروسية الأوكرانية لا يستحقون أي تعاطف، مشيراً إلى أنهم ذهبوا بإرادتهم ودخلوا إلى وسط المعركة كمرتزقة، فلا يقولون إنهم خُدعوا أو غُرر بهم، أو أعطونا 4 آلاف دولار وكان الاتفاق 25 ألفاً، مؤكداً أنه لا تضامن مع مرتزقة.
عملية التجنيد للقتال في روسيا تبدأ في عدد من المحافظات اليمنية، أبرزها تعز، ثم صنعاء، وبعدها عدن وإب، بحسب المعلومات التي حصلنا عليها من مصادر متعددة.
ويقتصر دور مندوبي التجنيد في المحافظات على توجيه من يُجمعون إلى مندوبيّن في الغيضة عاصمة محافظة المهرة، بعد استخراج جوازات سفر لهم، ومن هناك يتم التأشير لهم لدخول الأراضي العمانية، بحسب معلومات حصلنا عليها من أقارب بعض من وصلوا روسيا.
وبحسب هذه المعلومات، يصل المرحلون إلى مدينة صلالة، وهناك يوقعون عقود عمل مع شركة ترتب وصولهم إلى روسيا، ويديرها عدد من اليمنيين، أحدهم برلماني.
يورد الكثير من الذين يناشدون بإعادتهم إلى اليمن أسماء شخصيات يقولون إنهم غُرر بهم، ومن أبرزهم عبد الولي الجابري، ومحمد قاسم عليان، وهاني الزريقي.
وتقول مصادر إعلامية إن الثلاثة يتنقلون بين صلالة ومسقط، وهم من يتولون عملية التفويج إلى روسيا عبر مسقط ودبي. وتفيد مصادر أخرى أن قيادات يمنية تقيم في مسقط وصلالة ضالعة في عملية التجنيد، وتعمل على تسهيل الاستقدام من اليمن، خاصة من محافظة تعز.
وخلال الأيام الماضية ظهرت إلى الواجهة قضية (11) يمنياً عالقين في مطار موسكو، كانوا في طريق العودة إلى مسقط، لكن عند وصولهم صالة المغادرة تم رفض إدخالهم بحجة عدم وصول تصاريح لسفرهم إلى مسقط من السفارة العمانية.
وحول قضيتهم يقول الناشط الحقوقي ياسر الفرح إن اثنين من العالقين تمكنا من الهروب يوم 28 أكتوبر/تشرين الأول 2024، وتقوم السلطات الروسية بالبحث عنهما نظراً لعدم امتلاكهم تصاريح إقامة. وأضاف الفرح أن التسعة الآخرين غادروا روسيا بسلام يوم 31 أكتوبر/تشرين الأول 2024 إلى وجهات مختلفة بعد تدخل السفارة اليمنية في موسكو وتعاون السلطات الروسية.
ومؤخراً حذرت السفارة اليمنية لدى روسيا اليمنيين من شبكات التجنيد التي تستغل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة لاستقطاب الشباب اليمني إلى القتال في أوكرانيا مقابل وعود مغرية لا تتحقق وقد يدفعون حياتهم ثمناً لها.
يؤكد محمد الصبري، طالب يمني في روسيا، أن هناك بالفعل شباباً يمنيين يتم استقدامهم إلى روسيا على أساس العمل في شركات أمنية، فيجدون أنفسهم في جبهات القتال، لكن يؤكد أن الكثيرين يتم استقدامهم للقتال كمرتزقة، غير أن بعضهم يفضل العودة بسبب الطقس القاسي والمواجهات العنيفة.
وحول دور السلطات الأمنية في اليمن تجاه هذه القضية التي صارت قضية رأي عام، يقول مصدر أمني بصنعاء إن الجهات الأمنية لم تتلق بلاغات من أقارب الضحايا، فيما يقول مصدر أمني في مدينة تعز إن الأجهزة الأمنية والاستخباراتية تتابع الموضوع وتتبع شبكات التجنيد.
وفيما يمر من يتم استقدامهم من المحافظات اليمنية بسلاسة إلى عمان عبر منفذ شحن، ودون اتخاذ أي إجراءات للحد من هذه الظاهرة، يؤكد مصدر أمني في محافظة المهرة أنهم يتلقون توجيهات للتدقيق في الأهداف التي تجعل الشباب اليمنيين يدخلون إلى الأراضي العمانية.
ومؤخراً حذر مدير مركز الإعلام الأمني بوزارة الداخلية بعدن، النقيب هيثم الجرادي، من مخاطر الوقوع في فخ العروض الوهمية التي تقدمها شركات أمنية للشباب اليمني للعمل في الخارج، مستغلةً الظروف الاقتصادية الصعبة في البلاد. موضحاً أن هذه الشركات تستهدف الباحثين عن فرص عمل عبر إعلانات مضللة على مواقع التواصل الاجتماعي وسماسرة محليين وخارجيين، مقدمة عروضاً مغرية تتكشف حقيقتها المخادعة بعد سفر الضحايا للخارج. داعياً الأسر والمجتمع المدني ووسائل الإعلام للمساهمة في توعية الشباب بمخاطر الانخراط في أنشطة الشركات المشبوهة التي قد تهدد حياتهم ومستقبلهم.
تعد هذه الظاهرة واحدة من التداعيات التي تسببت بها الحرب والأزمة التي تشهدها البلاد للعام العاشر على التوالي، والتي أدت إلى توسع رقعة الفقر وزيادة البطالة وتدهور الوضع الإنساني، مما يجبر الكثير من الشباب اليمني على البحث عن فرص عمل يعيلون منها أنفسهم وأسرهم، فيجد الكثير منهم وقد ساقوا أنفسهم إلى جبهات القتال، وصاروا في مواجهة مباشرة مع الموت.
0 تعليق