خاص | النقار
مجلس عسكري. هكذا دفعة واحدة، حيث جاء عدد من التغريدات والمغردين الذين بحثت عنهم سلطة صنعاء بالمجهر، وأحضرتهم، كما كانت تفعل حركات اليسار في الستينيات والسبعينيات، لتعتبرهم معارضين للنظام السعودي. من علي هاشم إلى نادر مطلق العمودي الشمري، يكتمل النصاب لتشكيل مجلس عسكري حذر منه الناشط المقرب من الجماعة علي النسي، فكتب عدة منشورات تحليلية على صفحاته في مواقع التواصل الاجتماعي، مفادها أن الأمر جلل وجدي وليس كما يظن البعض. وقد استدعى النسي مجموعة من الأسماء التي وصلت إلى صنعاء، حيث استقطبتهم السلطة باعتبارهم منشقين ومعارضين للنظام السعودي. وبحسب النسي، فإن “الرياض تملك ذكريات سيئة مع المجالس العسكرية المعارضة، وأبرزها مجلس اتحاد شعب الجزيرة العسكري في منتصف ستينيات القرن الماضي، بقيادة العقيد الطيار عبدالكريم القحطاني ومجموعة من ضباط سلاح الطيران والقوة الجوية السعودية، حيث نفذوا سلسلة تفجيرات في الرياض والمنطقة الشرقية.”
وها هي صنعاء، عبر سلطتها الجديدة القديمة، تستقبل منشقين ومعارضين لا تستطيع وصفهم بـ”السعوديين”، باعتبار أن هذا اللفظ يوحي بعدم حدوث أي انشقاق إذا تم استخدامه، فتكتفي بذكر أسمائهم وأسماء مناطقهم. بطبيعة الحال، لم يكن لمحمد البخيتي أو نصر الدين عامر أن يتحدث عن ذلك “المجلس العسكري” الذي تم تشكيله، لكن لا بأس من التقاط صورة طازجة من أمام جامع الصالح لنصر الدين عامر مع الشمري، معلقًا عليها بالقول: “سعدت باللقاء بالأخ العزيز والضيف الغالي الشيخ نادر مطلق العمودي الشمري في العاصمة صنعاء. وأنعم به وبكل أحرار الجزيرة العربية، الذين هم بالتأكيد مع فلسطين وغزة ولبنان في مواجهة العدو الصهيوني، وتحية لكل قبائل جزيرة العرب الأحرار.”
وبحسب الناشط مجدي عقبة، فـ”عيخارجنا الله من جلوبة نصر عامر، ما بيجلب لنا إلا حية أو حنش”، مشيرًا إلى أن “جلوبة نصر عامر تذكرني بقصة ناس من البلاد ربوا قطة لتأكل الفئران، فتحولت القطة إلى أكبر مزعزع لسكينة البيت؛ كانت كل يوم تأتيهم بحية أو حنش، تلتقطهن من الخرار أو من وسط البيت.”
كان مزاج عقبة رائقًا وهو يكتب تغريدته من الولايات المتحدة، التي استطاع الوصول إليها بعد جهد جهيد، وربما كتبها للتلميح إلى ما كان يقوله الناشط السعودي علي هاشم، الذي جاء إلى صنعاء ليكون ملكيًا أكثر من الملك، كما يُقال، وراح يوزع صكوك الوطنية على من يشاء ويمنعها عمن يشاء من الناشطين اليمنيين، معرضًا بهم ومحرضًا عليهم. فحاول عقبة التذكير بذلك قائلًا: “منتظر متى عيطلع المعارض السعودي الجديد يغلط على اليمنيين.”
أما علي النسي، فلم تخفف برودة الجو في المملكة المتحدة من حرارة منشوراته، وهو يتحدث عن “توتر العلاقات بين صنعاء والرياض”، قائلاً: “يبدو أن حالة التقارب بين صنعاء والرياض وصلت إلى نفق مسدود، والعلاقات بينهما في توتر وتصعيد، حيث يتواجد عشرات السعوديين المعارضين لحكم آل سعود في صنعاء حاليًا، وقد وصلوا بشكل فردي أو تهريب عبر الحدود، ومن المتوقع قريبًا أن يعلنوا مجلسًا عسكريًا سعوديًا معارضًا.”
ثم يضيف في منشور لاحق: “يشكك البعض في جدية المجلس العسكري السعودي المعارض، الذي قد يُعلن قريبًا ويتخذ من أراضي حكومة صنعاء نقطة انطلاق. يعتقدون أن علي هاشم من سيقوده، ونسوا أن هناك كثيرًا من المعارضين ذوي الميول العسكرية تجمعوا في اليمن خلال السنوات الست الماضية، أبرزهم الشيخ هادي محمد القحص اليامي، والرائد الطيار دخيل بن ناصر القحطاني، الذي اختفى من الإعلام منذ وصوله واتجه للتجهيزات العسكرية. وهناك العشرات من المعارضين الذين وصلوا صنعاء خلال الأسابيع الماضية، أبرزهم الشيخ نادر مطلق الشمري”، مختتمًا بالقول: “الموضوع جدي وليس مزاح.”
أما مراسل وكالة شينخوا الصينية في اليمن فارس الحميري، فقد تناول الأمر من زاوية عمله كصحفي، حيث أورد، وفقًا لما سماه “مصادر يمنية خاصة” وتحت عنوان “سعوديون يشكلون مجلسًا عسكريًا في صنعاء”، خبراً عرضه في مجموعة نقاط على النحو التالي:
• وصول عشرات من السعوديين مؤخرًا إلى صنعاء وصعدة ومناطق سيطرة الحوثيين، جميعهم من المطلوبين أمنيًا للرياض أو معارضين. وقد تم التحقق من وصول أربعة عناصر قيادية منخرطة منذ سنوات مع تنظيم القاعدة عبر محافظة البيضاء إلى صنعاء.
• وصل هؤلاء السعوديون فرادى أو على دفعات وعبر طرق متعددة بتنسيق مباشر مع الحوثيين؛ بعضهم عبر الحدود، وآخرون قدموا عبر دولة ثالثة.
• الحوثيون أمّنوا مساكن لهؤلاء السعوديين، وعقدوا معهم عدة اجتماعات خلال الأشهر والأسابيع الماضية، أغلبها عقدت في مبنى على هيئة فيلا كبيرة في حي حدة جنوب العاصمة صنعاء.
• الفيلا التي تُعقد فيها الاجتماعات بشكل متكرر تُستخدم أيضًا لسكن شخصيات سعودية معارضة.
• تمخضت الاجتماعات عن تشكيل ما سموه “مجلس عسكري”، وتم التوافق على الشكل التنظيمي للمجلس وتسمية المهام، بالإضافة إلى تعيين مسؤولين لأبرز المناطق السعودية.
وأيًا يكن الأمر، تفرح سلطة صنعاء بهذا الضجيج، حتى يتسنى لها الظهور بثوب أوسع بكثير مما هي عليه في حقيقة الأمر، حيث يبدو أنها لم تعد في وارد أن تذهب أبعد من هدنة استدرجها إليها السعودي بذكائه أو بماله، لا فرق. فلم تعد تستطيع حراكًا إلا ذلك الحراك الشكلي الصوري، المختزل في صورة نصر عامر ونادر الشمري أمام جامع الصالح بميدان السبعين.
0 تعليق