لا تزال التفاعلات متواترة بخصوص قرار محكمة العدل الأوروبية، الصادر أمس الجمعة بخصوص اتفاقيتي الفلاحة والصيد البحري التي تجمع المغرب بالاتحاد الأوروبي؛ هذا الأخير الذي جددت معظم دُوله الأعضاء تشبثها بشراكاتها الاستراتيجية مع الرباط.
يأتي هذا بينما أفادت مصادر مطلعة هسبريس بأن “قرار المحكمة الأوروبية لا يعكس، بأي شكل من الأشكال، موقف المجلس الأوروبي (باعتباره المسؤول عن العلاقات الدولية للاتحاد)، وموقف المفوضية الأوروبية والدول الأعضاء؛ بل إن ما جاءت به المحكمة يناقض التوجه العام داخل المؤسسات والهيئات الأوروبية والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي”.
“تغريد خارج سرب التوافق”
قالت مصادر هسبريس، بعد اطلاعها على حيثيات الموضوع والقرار، إن هذا الأخير “يجعل المحكمة الأوروبية تغرد خارج السرب، في تباين واضح وعدم انسجام صارخ مع مواقف باقي الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي”، مشددة على استحضار أن “أكثر من عشرين دولة أوروبية تؤيد مقترح الحكم الذاتي في الصحراء المغربية”.
ولفتت المصادر ذاتها إلى أن “هذا القرار لن يَحُول دون استمرار الدينامية الإيجابية التي تسجلها مواقف الدول الأوروبية بشأن الوحدة الترابية للمملكة”، مقللة بذلك من “تأثير” قرار محكمة العدل الأوروبية على الشراكة بين المغرب والاتحاد الأوروبي”.
في السياق ذاته قدر متابعون ومراقبون أن “إصدار محكمة العدل (CJEU) رأيا نقديا ومتحيزا لا يمثل إلا محكمة العدل الأوروبية، بحكم أنها – في الواقع – لا تمثل إلا نفسها؛ فهو قرار لا يعكس رأي المجلس الأوروبي ورأي المفوضية الأوروبية.. وبالتالي، فإن قرار محكمة العدل الأوروبية ليس له أي تأثير على دينامية دعم باقي الهيئات الأوروبية للمغرب”.
إدانات متوالية
وحسب ما تابعته ورصدته هسبريس، فإن عددا من أعضاء ونواب البرلمان الأوروبي سارعوا، الجمعة، إلى إبراز استنكارهم و”إدانتهم” تجاه أحكام محكمة العدل الأوروبية بشأن اتفاقيتي الصيد البحري والزراعة بين الاتحاد الأوروبي والمغرب، مشيرين إلى أن القرار “يقوّض المصالح الاقتصادية الأوروبية”.
وبالتزامن مع توالي مواقف صارمة جاءت عبر بيانات رسمية أو مسؤولين دبلوماسيين رفيعي المستوى، من باريس ومدريد وبلجيكا وهنغاريا وإسبانيا وغيرها من العواصم الأوروبية الفاعلة والمؤثرة المتمسكة بحبل متين للتعاون المغربي–الأوروبي، لفت مسؤولو الاتحاد الأوروبي، بالأخص أورسولا فون دير لاين وجوزيب بوريل، من جديد، إلى “التزام الاتحاد الأوروبي بالحفاظ على علاقاته الوثيقة مع المغرب وتعزيزها في جميع المجالات وفقا لمبدأ “العقد شريعة المتعاقدين” (principe “pacta sunt servanda”.
إسقاطات سياسية وعيوب شكلية
تعليقا على الموضوع وإضاءة أكثر لجوانبه، أكد الموساوي العجلاوي، المختص في العلاقات الدولية والأستاذ الباحث في جامعة محمد الخامس بالرباط، أن “محكمة العدل الأوروبية، ومن خلالها مقاربة موضوع الاتفاقيات، سقطَت فعليا في معالجة تقنية بإسقاطات سياسية كبيرة”.
وعدد العجلاوي، في إفادات بسطها لجريدة هسبريس الإلكترونية، ما اعتبرها “مجموعة عيوب شكلية تشوب قرار المحكمة الأوروبية في صيغته المعممة”.
وقال المختص في العلاقات الدولية معلقا بهذا الشأن إن “القرار في صيغته كله مفاهيم قانونية صِرفة لا تأخذ التوجه السياسي وما كل ما تمت مراكمته على مستوى المسارات والمقاربات السياسية على مستوى الأمم المتحدة”، مسجلا أن ذلك يؤدي إلى “انكسار بين الحكم ومسارات الإطار السياسي الأممي لقضية الصحراء المغربية وسيادة المغرب الفعلية على أقاليمه الجنوبية منذ 1975 إلى اليوم”.
مؤشر ثان يدل على أن المحكمة سالفة الذكر تغرد خارج سرب التوافق الأوروبي يتمثل، وفق الخبير ذاته، في مسألة أن “حماية الاتفاقيات حول المنتجات الفلاحية تبقى مسؤولية حصرية من اختصاص المفوضية الأوروبية”، مشددا على أن “مسار القرار أو الحكم وصيغته تبقى بين المحكمة والبوليساريو؛ وبالتالي الحكومة المغربية غير معنية بتاتا به”، كما أوضحت ذلك وزارة الخارجية المغربية.
كما سجل العجلاوي، ضمن قراءته للتطورات الأخيرة، “دلالة” غير بريئة تتعلق بالتوقيت الذي صدر فيه قرار محكمة العدل الأوروبية بالتزامن مع شهر أكتوبر المعروف ببرمجة مناقشة قضية الصحراء المغربية ومستجداتها في مجلس الأمن الأممي”، متسائلا: “هل هي صدفة أم ضغط على مجلس الأمن من أجل تغيير وتأثير محتمل مثلا…؟”، ثم نبه في السياق إلى تصاعد “حملات لوبيات فلاحية ضد المنتجات خارج الاتحاد الأوروبي مع توظيفها القوي لقضية المنشأ ونزاع الصحراء”.
أشار الباحث المختص في قضايا الصحراء والساحل إلى أن “تركيبة الغرفة الأولى في محكمة العدل الأوروبية من المعروف أنها تضم تعيين قاضيين عن كل دولة عضو في الاتحاد”، معتبرا أن خصوم الوحدة الترابية قد يستغلون الأمر في محاولة يائسة للتأثير على قرارات المحكمة عبر العمل على تغيير التركيبة”.
المغرب ملتزم بالقانون الدولي
على مستوى المقاربة وبعض المضامين، قال العجلاوي إن “المحكمة عينها ذهبت في اتجاه الاستدلال بالجزء على الكل”؛ وهو “عيب قانوني جعلها تسقُط في “الاهتمام بمشكل نقاش تمثيلية الشعب الصحراوي من عدمه، رغم أنها نقطة جزئية غير كافية؛ فضلا عن انعكاسات سياسية واضحة للقرار، عكس الدينامية الدولية المؤيدة للحكم الذاتي أو توالي الاعترافات الصريحة بالسيادة المغربية”.
وخلص الخبير إلى ضرورة التمييز بين “ما هو قانوني وما هو سياسي”؛ وهو ما جعل المحكمة الأوروبية تبدو وكأنها خارج سرب التوافق الأوروبي، مستدلا بأن “موقف المغرب هو موقف قانوني محترم لكل الأطر القانونية الأممية والقرارات ذات الصلة، نظرا لأن حضوره فعلي وسيادي في الأقاليم الجنوبية”.
كما استحضر العجلاوي أهمية “قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 1541 المنظم للأراضي غير المُتمتعة بالحكم الذاتي والذي حدد 11 مبدأ واضحا عبر القرار 1514 المعني بـ’تصفية الاستعمار”.. ومن بين كل تلك المبادئ، فإن المغرب يحترم بشكل تام المبدأ الرابع والمبدأ السادس والمبدأ الحادي عشر”.
0 تعليق