عززت البنوك المغربية على مدى السنوات العشر الماضية وجودها الدولي، خاصة في القارة الإفريقية وبعض الدول الأوروبية، حيث تحضر في 27 دولة إفريقية وتدير فروعا أو شركات تابعة في سبع دول أوروبية حاليا، إضافة إلى شبكة واسعة من مكاتب التمثيل حول العالم، فيما يوفر هذا التوسع فوائد اقتصادية كبيرة للمغرب من خلال تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج، التي تشكل مصدرا مهما للعملة الصعبة.
ولم يخل هذا التوسع من تحديات، خاصة في ظل التغييرات السياسية والتنظيمية داخل الاتحاد الأوروبي، خصوصا بعد إعلان خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي “بريكست”، ما سرع بإعادة النظر في ممارسات تحويل الأموال الخاصة بالفروع الأجنبية للبنوك، إذ يسعى الاتحاد حاليا إلى تقييد التحويلات المالية الصافية من البنوك الأجنبية إلى بلدانها الأصلية، بما في ذلك البنوك المغربية الحاضرة في أوروبا، وهو التوجه الذي يرتقب أن يؤثر سلبا على ربحية هذه البنوك المغربية، وعلى الاقتصاد الوطني ككل.
ويعتزم الاتحاد الأوروبي تطبيق توجيه جديد يلزم البنوك الأجنبية العاملة في أوروبا بإنشاء فروع محلية تخضع للوائح الأوروبية لمواصلة أنشطتها العابرة للحدود. ووفقا للمادتين 37 و41 من مدونة التجارة، فإن أي كيان أجنبي يرغب في ممارسة الأنشطة التجارية في المغرب، يجب أن يسجل نفسه لدى السلطات المختصة ويلتزم بالمعايير المحلية. ورغم أن هذا الشرط طبيعي داخل إطار محلي، إلا أنه يفرض تكاليف مرتفعة على البنوك المغربية في أوروبا، ما يزيد من التحديات التنافسية والتنظيمية مستقبلا.
تأثيرات سلبية على أرباح البنوك
تخضع البنوك المغربية العاملة في أوروبا حاليا، بشكل أساسي، للقوانين الوطنية للبلدان التي تعمل بها، مع بعض الالتزامات المتعلقة بالإفصاح. ومن خلال توحيد القواعد لجميع البنوك الأجنبية، يسعى الاتحاد الأوروبي إلى تعزيز سيطرته على التدفقات المالية والتأكد من أن هذه البنوك تساهم في خلق قيمة محلية. وفي حال اعتماد هذا التوجيه، ستضطر البنوك المغربية إلى التكيف الهيكلي مع هذا المستجد، ما ستترتب عليه تكاليف كبيرة قد تدفع بعض البنوك إلى تقليص أو إنهاء عملياتها في بعض الأسواق الأوروبية، وسيؤثر ذلك بالتالي على حجم التحويلات المالية إلى المغرب.
وأوضح عمر زودين، خبير في الهندسة المالية والمعاملات البنكية، في تصريح لهسبريس، أن التوجيه الأوروبي قد “يضعف من ربحية البنوك المغربية في أوروبا، من خلال زيادة تكاليف التشغيل وتقليل مرونتها في تدبير مواردها المالية”، مشيرا إلى أن “الالتزام بإنشاء فروع محلية معتمدة سيمثل استثمارا ماليا كبيرا، ما قد يدفع بعض البنوك إلى الانسحاب من الأسواق الأوروبية الأقل ربحية”.
وأكد زويدن أن التفاوض الدبلوماسي، خصوصا عبر وزارة الشؤون الخارجية والتعاون وبنك المغرب، قد يساعد على تخفيف الآثار المحتملة للتوجيه الأوروبي الجديد، من خلال الحصول على استثناءات أو فترات سماح للبنوك المغربية، ما يتيح لهذه المؤسسات التكيف مع المتطلبات الجديدة دون أن تتعرض لرجة اقتصادية كبيرة، مذكرا في السياق ذاته بأن مدونة التجارة الصادرة في 1996 تشترط على الشركات الأجنبية التي تعمل في المغرب، التسجيل الإلزامي ومتطلبات الشفافية، وهي قيود مشابهة لما يعتزم الاتحاد الأوروبي تطبيقه.
وكشف الخبير في المعاملات البنكية عن تقدم جلسات التفاوض بين السلطات والبنوك المغربية ومصالح الاتحاد الأوروبي المعنية منذ أكتوبر الماضي، على أساس استمرارها خلال الفصل الرابع من السنة الجارية، ما يتيح للجانب المغربي طلب توضيحات أكثر حول المقتضيات التنظيمية الجديدة وأبعاد تطبيقها، محذرا من التفسيرات المتضاربة للتوجيه الأوروبي الجديد عند تحويله إلى القوانين المحلية، بما فيها القانون المغربي، ما قد يزيد من تعقيد المشاكل على المستوى العملي، ويرفع مستوى مخاطر استغلال مثل هذه الإجراءات سياسيا.
تهديدات باضطراب تدفق التحويلات
يركز التوجيه الذي أعدته المديرية العامة للاستقرار المالي والخدمات المالية واتحاد الأسواق المالية في المفوضية الأوروبية وتم اعتماده من البرلمان الأوروبي، في الأساس، على تقييد نشاط البنوك البريطانية بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي “بريكست”. ومع ذلك، نظرا لنطاقه الواسع، الذي يشمل تواجد جميع البنوك الأجنبية في الاتحاد الأوروبي، فإنه يؤثر بشكل مباشر على البنوك المغربية التي تمتلك فروعا ومكاتب تمثيلية في 7 دول أوروبية.
وبالنسبة إلى عبد الرفيع السماحي، مستشار بنكي، فإن هذه القيود الجديدة تمثل في المقابل فرصة للبنوك المغربية لتنويع أساليب التحويل وتعزيز قدرتها على التكيف أمام الضغوط التنظيمية، موضحا أن “تشديد القوانين قد يدفع جزءا من تدفقات المغاربة المقيمين بالخارج إلى حلول غير بنكية، مثل مؤسسات الأداء المتخصصة في تحويل الأموال”، إذ تمثل هذه المؤسسات خيارا مرنا وقليل التكلفة فيما يتعلق بالامتثال، ما قد يوفر بديلا تنافسيا لضمان استمرار التحويلات إلى المملكة.
واقترح السماحي، في تصريح لهسبريس، أن تفكر البنوك المغربية في التعاون مع مؤسسات الأداء المتخصصة في تحويل الأموال من أجل تقليل تكاليف التحويل، منبها إلى أن تحويلات مغاربة الخارج وصلت إلى مستويات قياسية حاليا، إذ تجاوزت سقف 100 مليار درهم سنويا، وأصبحت تمثل هذه التدفقات نسبة 8 في المائة من الناتج الداخلي الخام، وتساهم في تمويل حوالي ثلث العجز التجاري للملكة، ناهيك عن أهميتها في ضمان استقرار الاحتياطيات الأجنبية من العملة الصعبة، ما يسمح باستقرار ميزان الأداءات.
وذكر المستشار البنكي بجهود السلطات المغربية من أجل الحفاظ على تدفقات تحويلات مغاربة الخارج في مواجهة التهديد الذي يمثله التوجيه الأوروبي، إذ انخرطت رفقة البنوك المعنية في سلسلة من المفاوضات الوثيقة مع الجانب الأوروبي، وهو الأمر الذي أكده عبد اللطيف الجواهري، والي بنك المغرب، مشددا على أن المفاوضات شملت المفوضية الأوروبية وإدارتها المالية، بالإضافة إلى الدول الأوروبية الرئيسية، خصوصا فرنسا وإسبانيا وإيطاليا، وكذا بلجيكا وهولندا، بمشاركة البنك المركزي ووزارتي الشؤون الخارجية والاقتصاد والمالية.
0 تعليق