الشارقة: عائشة خمبول الظهوري
في ليالي الصيف الهادئة، يعتبر الكثيرون صوت صرصور الليل رمزاً للسكينة التي تسيطر على الأجواء، ولكن الصرصور نفسه ليس هنا ليبعث الطمأنينة، بل يسعى لجذب انتباه الأنثى، فبينما قد نستمتع أو ننزعج نحن بصوته، فهو يستخدمه كأداة للتواصل والتأثير، تماماً كما قد يلجأ البشر إلى الألحان العذبة لكسب انتباه الجميع.
بالنسبة لبعض أنواع الصراصير، لا سيما ذات الأحجام الصغيرة، من الممكن أن يكون جذب الانتباه مهمة صعبة، ولكن صراصير الأشجار الصغيرة وجدت حلاً مبتكراً وهو استخدام أوراق النباتات كأدوات تضخيم لصوتها، ما يمكّنها من إصدار أصوات أقوى تنتشر عبر الغابات وتجذب شركاء الحياة، إذ تصدر الصراصير أصواتها من خلال عملية معقدة حيث تحتك أجنحتها الأمامية ببعضها، فتقوم الحافة المسننة لأحد الأجنحة بالاحتكاك بالأضلاع الصلبة للجناح الآخر، محدثةً نغمة تشبه إلى حد ما العزف على آلة موسيقية.
تواجه الصراصير الأصغر تحدياً يتمثل في كون أجنحتها محدودة الحجم والتي بدورها تنتج موجات صوتية ضعيفة، ولا تستطيع الانتشار بشكل كافٍ، كما تختفي سريعاً في الهواء، وهي ظاهرة تُعرف ب«التلاشي الصوتي»، هذا التحدي هو الأكثر صعوبة للصراصير الشجرية، التي أجنحتها لا تتجاوز حجم ظفر الإصبع.
الصراصير الصغيرة من هذا النوع تلجأ إلى حلٍ عبقري للغاية، إذ تقضم حفرة على شكل كمثرى في منتصف ورقة الشجر، هذه الحفرة أكبر قليلاً من جسمها، فتدخل رأسها وأرجلها الأمامية في الفتحة، وتبدأ في إصدار الصوت بينما تستند أجنحتها على الورقة، في حين تعمل الورقة كجهاز تضخيم طبيعي، يعمل على فصل الموجات الصوتية بشكل فعال ويمنحها القوة اللازمة لتنتشر عبر الغابة، ما يضمن وصولها إلى آذان الإناث قبل أن تتلاشى، وبهذه الحيلة الهندسية، تستطيع صراصير الأشجار الصغيرة أن ترفع صوتها بمرتين إلى ثلاث مرات أكثر مما يمكنها في الظروف الطبيعية، كما أثبتت الدراسات أن الصراصير الأصغر ضمن نوع معين تكون الأكثر إقبالاً على استخدام هذا التكتيك، وفعلاً سرعان ما ينجح الأمر، إذ تلتقط الإناث صوت الصرصور المكبر بسهولة أكبر وتنجذب إليه لفترات أطول، مقارنةً بالصراصير التي لا تستعين بمكبرات الصوت الطبيعية.
ولا تنسى الضغط هنا ومتابعة قناتنا على تليجرام
0 تعليق