شارع دي يوردان في أمستردام... من الموسيقى الشعبية إلى مسرحية غنائية - اليوم الإخباري

0 تعليق ارسل طباعة

من على شرفة مقهى «هيت مونومينتييه» في شارع دي يوردان الشهير في أمستردام، يقول عازف الروك ميخييل هويدونك (63 عاماً): «أعيش في هذا المكان أكثر من 20 عاماً. أنا لا أغادره».
ويضيف وهو يضحك وسط أصدقائه الذين يرتدون سترات جلدية: «عندما أضطر إلى السير باتجاه كنيسة فيستيركيرك (المجاورة)، يكون الكثير من السياح موجودين. إنه أمر فظيع، لكنني أضع سماعاتي وأستمع إلى موسيقى الروك الصاخبة».
سيكون دي يوردان هذه السنة محور مسرحية غنائية ضمن الاحتفالات التي تبدأ الأحد وتستمر عاماً بالذكرى السنوية الـ 750 لأمستردام.
وهذا الشارع المشهور بموسيقاه الشعبية، يجسّد التحوّلات التي شهدتها العاصمة الهولندية، من مدينة للفئات الشعبية إلى مدينة للفئات الميسورة.
وفي رأي لورا أدريانز (54 عاماً)، وهي موسيقية تدير متجراً في أحد أزقّة الحي الذي يعكّر هدوءه أحياناً صوت أجراس الدراجات الهوائية، أن ما يميّز دي يوردان «قد يكون كل التاريخ الذي شهده، والذي يمكن الشعور به. فيه الدفء والراحة، ولكن أيضاً النزاعات أحياناً. أعتقد أنه سبب إقامة كل أنواع الناس هنا».
شارع شعبي على هامش القنوات
إذا كان «الشارع الأحمر» أول ما يخطر ببال السياح الأجانب في أمستردام، فإن الهولنديين يعتبرون دي يوردان الشارع الأكثر شهرة في عاصمتهم، وحتى في بلدهم ككل.
فدي يوردان الذي أقيم في موازاة حزام القنوات المائية الشهير في القرن السابع عشر، وهو العصر الذهبي الهولندي، يتميز بأن شوارعه وقنواته أسماء زهور وأشجار، وقد يكون ذلك سبب إطلاق هذا الاسم عليه، ويعني «الحديقة».
وتوضح المؤرخة وأمينة متحف أمستردام السابقة آن ماري دي فيلدت لوكالة فرانس برس أن دي يوردان «كان في القرن السابع عشر جزءاً من المدينة، حيث كان كثر من السكان يعملون في المصانع، وبعضهم مهاجرون من كل أنحاء أوروبا، جذبتهم ثروة أمستردام».
طوال القرنين التاليين، شهد عدد سكان هذا الشارع العمالي زيادة كبيرة، مما تسبب في تدهور كبير في الظروف المعيشية.
منذ ذلك الزمن، كانت الموسيقى جزءاً لا يتجزأ من الحي؛ إذ كان سكانه يغنون، ليس باللغة الهولندية فحسب؛ بل أيضاً بالإيطالية؛ إذ أحضر المهاجرون معهم حبهم للأوبرا.
وتضيف المؤرخة أن «كثراً من الفنانين شرعوا في تأليف الموسيقى وكتابة الروايات وصناعة الأفلام في دي جوردان»، مشيرة إلى أن نوعاً موسيقيا فعليا وُلِد في هذا الشارع خلال خمسينات القرن العشرين.
وتشرح أن «الأغنيات كانت تتناول الحياة اليومية في الشارع، والفقر، والحب».
«أونزه يوردان»
هذا التراث الموسيقي هو بالتحديد ما تتمحور عليه المسرحية الغنائية «أونزه يوردان» (أي «يوردان الخاص بنا») التي أنتجها مسرح «ديلامار» احتفاء بالذكرى الـ 750 لتأسيس العاصمة.
ويرى مُنتِج «أونزه يوردان» مارك مولر (60 عاماً) أن «قصة يوردان جيدة جداً من جوانب عدة إن لجهة الثقافة التي تعرفها هولندا بأكملها، أو خصوصاً من حيث الموسيقى المصاحبة لها والتي يعرفها الناس».
ويشير إلى أن «الغناء كان يساعد الناس على التغلب على الصعوبات في حقبة الفقر في يوردان. لم يكن لدى الناس شيء، وكان المكان مكتظاً، وكانت توجد مشاكل اجتماعية كثيرة... ولكن كان ينتهي بهم الأمر إلى الالتقاء في الحانة».
وخلال المسرحية التي تبلغ مدتها ساعتين وتتبع قصة عائلة من التحرير إلى اليوم، يغني فنانو «أونزه يوردان» تارة أغنيات معروفة من الشارع - يرددها معهم الجمهور - وتارة أخرى أغنيات إيطالية تقليدية.
التحوّل السكاني
انتشار مقاهي النباتيين وغيرها من الأماكن العصرية في يوردان يعكس التحوّل الاجتماعي الذي شهده الشارع.
وتقول آن ماري دي فيلدت: «إنه شارع مثير جداً للاهتمام، لأنه إحدى المناطق الأولى التي شهدت ظاهرة الاستطباق (gentrification)»، أي الارتقاء بالأحياء.
وتوضح المؤرخة أن نزوح السكان في الستينات، هرباً من المساكن المتهالكة وبحثاً عن نوعية حياة أفضل، كان بمنزلة بداية التحوّلات.
وتلاحظ أن «السكان غادروا، ثم جاء الطلاب والكثير من الفنانين للإقامة في هذه المساكن الزهيدة الثمن آنذاك، وبدأ الحي يتغير تدريجياً».
أما اليوم، فيكاد يكون من المستحيل استئجار أو شراء مسكن بالنسبة إلى كثير من الأشخاص الذين ولدوا هنا، بحسب المؤرخة.
وتقول دي فيلدت: «لقد تغير الشارع، لكن العالم كله ومدينة أمستردام تغيرا أيضاً».

أخبار ذات صلة

0 تعليق