عاجل

د. رءوف الكدواني يكتب: ”الحب” فن من فنون القيادة - اليوم الإخباري

0 تعليق ارسل طباعة


يواجه العالم اليوم موجه من المتغيرات المتلاحقة في مجال المال والأعمال. ومن أهم هذه المتغيرات تلك التي تأثرت بها الشعوب نتيجة العولمة التي أدت إلى اشتعال المنافسة بين معظم دول العالم. فقد سارعت هذه الدول إلى زيادة معدلات الإنتاج وزيادة جودته وتبادل السلع والابتكار التكنولوجي والتواصل المستمر بين هذه الدول بهدف تطوير الأفكار والقيم والسلوكيات. كما أصبح التحول الرقمي الاصطناعي من الضروريات بالنسبة لكافة المؤسسات.
وهذا التطور لا يعني فقط تطبيق التكنولوجيا داخل المنشأة بل يمتد ليشمل أساليب تقديم الخدمات للجمهور بشكل أسرع وأسهل. كل هذه المتغيرات تستدعي تواجد الإدارة الأكثر إحترافية وحنكة للتماشي مع هذه المستجدات. وفي هذا السياق يتعين على المدير الكفء أن يطبق أحدث الأساليب العلمية والفنية في إدارة الموارد البشرية.
وجدير بالذكر أنه قد تبين لكثير من علماء الإدارة الحديثة أن إستقطاب المشاعر نحو عناصر الإدارة المختلفة والتمسك بها هما أقصر الطرق نحو تحقيق أهداف المنشأة. فالقيادة بالحب هى قمة النجاح لبناء منظمات أعمال متكاملة ومتوازنة. ولا نعني هنا الحب الرومانسي بأشكاله وإنما حب القائد للمرؤوسين ولمؤسسته وللعملاء وللمجتمع وحتى حبه لنفسه. ويمنح هذا الحب الفطرة للتمسك بما يقوم به المدير من أعمال ونشر هذه الثقافة لدى العاملين معه. وبالرغم من أهمية تواجد هذه الثقافة إلا أنه من الأهمية أيضا حسن أختيار القادة الذين يقدرون معنى التغيير الحضاري ويتمسكون بإختيار الأساليب المناسبة للتماشي مع.
هذا التغيير في مؤسساتهم. وبالتبعية يتعين على هؤلاء القادة استدعاء أفضل عناصر العمالة وتحفيزهم على العمل من خلال المعاملة الطيبة مما يجعلهم أكثر تمسكاً بإنجاز ما يوكل لهم من مهام بسبب حبهم للعمل. من هذا المنطلق فنحن لا نستحضر عقولهم فقط بل قلوبهم أيضاً. إن إحدى دعامات هذا الحب أن يسعى المدير إلى الإقتراب من مرؤوسيه ويخصص لهم وقتاً إضافياً للتعرف على مشاكلهم فينشر طاقة إيجابية من حوله مما يؤدي إلى تبادل مشاعر الحب بينه وبينهم وبذلك يضمن النجاح والتألق في العمل. كما يسعى المدير إلى نبذ الخلافات والتركيز على الإيجابيات وتثمين الإنجازات و الاهتمام بتحفيز العاملين واحتواء السلبيات كما أن التعرف على مشاكل العاملين الخاصة سوف تمكنه من مساعدتهم في التغلب عليها. على سبيل المثال لا الحصر العاملين الذين يبحثون عن سكن ، أو الذين يبحثون عن العائد على مدخراتهم، أو الاستثمار في أدوات سوق المال وخلافه. إن تنمية مشاعر الحب في العمل تستهدف أكثر من استقطاب المشاعر الإيجابية، فهى تستهدف بالدرجة الأولى حب العمل والارتقاء به وهو حب هام جداً لأداء العاملين بالمؤسسة. وعلى الجانب المعاكس للحب يقع عنصر الخوف الذي يولد مشاعر سلبية تؤدي إلى التردد في إتخاذ القرارات وعدم الإقبال على المخاطر خوفاً من الفشل والمحاسبة. وعندما يولد الخوف يأتي معه الانسحاب من معترك الحياة والخوف من تجاربها. أما عندما نحب، نتطلع إلى الحياة الأفضل ملؤها الأمل والثقة بالنفس والنجاح. إن الحب يؤدي إلى قبول الآخر والإفساح للآخرين ومساعدتهم على التقدم وهو ما يجعلهم يتمسكون بقائدهم والعمل بحماس من أجل تحقيق أهدافه. وجدير بالذكر أن القيادة بالحب يجب ألا يساء فهمها بأنها قيادة تستجدي الإنتماء والجدية في العمل.
فينبغي أن يكون القائد حاسماً وحازماً في اتخاذ القرارات الإدارية المختلفة التي تضمن تنفيذ الأعمال التي تؤدي إلى التقدم والنهوض بمستوى الأداء. كما يتعين عليه في نفس الوقت أن يعمل على بناء الثقة فيما بينهم وبينه بما يجعلهم يلتفون من حوله. وبالرغم من تواجد بعض الأخطاء في أدائهم إلا أنه كقائد محترف يتعمد نشر ثقافة التعلم من الأخطاء والمضي قدماً إلى الأمام. عليه أيضا أن يتيح لهم مساحة مناسبة من إبداء الرأي وتبادل الأفكار وتشجيع الإبتكار والإبداع. كما يحرص المدير المحنك أن يضع أفضل العناصر المنتجة في بؤرة الإهتمام وإتاحة الوقت والإمكانات لدعمهم وتحفيزهم ونشر ثقافة المنافسة والتميز في ظل أجواء صحية مثمرة بعيداً عن حب الذات والمشاحنات السلبية..
إن القائد الملهم يجب أن يتخلى عن الإعتداد بالنفس والتعالي ليتحلى بالتواضع وإنكار الذات فيكرس جزءا من وقته في الإقتراب من المتذمرين ليتعرف على أجواء العمل عن قرب فيتحول هولاء من التذمر إلى سفراء له داخل المؤسسة. إن استنهاض همم الأفراد وما لديهم من استعدادات للعمل والبناء والعطاء بغض النظر عن إتجاهاتهم وميولهم وبدون التفرقة بين عناصرهم يرسخ ثقافة حب العمل والتعاون مع الآخرين. إن القيادة بالحب لها طرق مختلفة للمضي فيها لتصل بنا إلى الأهداف المرجوة إلا أن أهمها هو استمرار التواصل بين القادة والمرؤوسين. إن ممارسة القيادة بالحب تستهدف العطاء الذي يرتقي بكل من الرؤساء والمرؤوسين فيزيد من تفاعلهم نحو طرق الإبتكار والإبداع بالفطرة. ذلك لأن الحب هو مركز كل المشاعر النبيلة والفطرة هى مركز الحكمة..

د. رءوف الكدواني
أستاذ البنوك والعلوم المالية

أخبار ذات صلة

0 تعليق