حمل مشروع قانون المالية لسنة 2025، في إطار مساعي الحكومة إلى تحديث النظام الجبائي والحد من التهرب الضريبي، جملة من التدابير الصارمة التي تستهدف بالأساس المهنيين المكلفين بتسجيل العقود وتدبير عمليات نقل الملكية، خصوصا العقارية. وتضمنت هذه التدابير غرامات مالية ثقيلة وإلزامية الرقمنة، بهدف تعزيز الشفافية وتقوية الرقابة على العمليات المالية والإدارية.
وتعتمد الحكومة على الرقمنة كأداة رئيسية في تحسين أداء الإدارة الضريبية؛ فقد ألزم مشروع قانون المالية لسنة 2025، في إجراء مقترح، جميع الموثقين والعدول والخبراء المحاسبين والمحاسبين المعتمدين بتوجيه العقود بطريقة إلكترونية إلى الإدارة الضريبية؛ وهي الخطوة التي تمثل نقلة نوعية في تنظيم وتبسيط الإجراءات الإدارية المتعلقة بالضرائب وتسجيل العقود، وتأتي في إطار خطة وطنية لضبط الوعاء الضريبي ورفع مستوى النجاعة التحصيل الجبائي.
وعلى الرغم من اعتبار الرقمنة خطوة إيجابية نحو إصلاح النظام الضريبي، فإن هناك تحديات محتملة قد تواجه تطبيق هذه الإجراءات؛ ذلك أن بعض المهنيين قد يجدون صعوبة في التأقلم مع التغيرات الرقمية الجديدة، خاصة في المناطق التي قد تكون فيها البنية التحتية التكنولوجية ضعيفة. وستتيح في المقابل تقليص مستوى التدخل البشري في معالجة المعاملات الإدارية، بما من شأنه ضمان الشفافية وتعزيز مستوى الرقابة الضريبية.
غرامات ثقيلة
إلى جانب إلزامية الرقمنة، نص مشروع قانون المالية على فرض غرامات مالية تتراوح بين 10 آلاف درهم و50 ألفا على المهنيين الذين لا يلتزمون بالتوجيهات الجديدة. فعلى سبيل المثال، في حالة عدم توجيه العقود بطريقة إلكترونية أو تقديم معلومات غير صحيحة، سيتم تطبيق غرامة بقيمة 10 آلاف درهم؛ وهي العقوبات المالية التي تهدف إلى ردع أي محاولات للتهرب الضريبي وتأكيد أهمية الامتثال للقوانين والإجراءات الجديدة.
أوضح عبد الإله شناني، خبير محاسب متخصص في تدبير المنازعات الجبائية، أن “التوجه نحو الرقمنة هو خطوة ضرورية لتعزيز الشفافية والحد من الفساد، حيث ستتيح الرقابة الإلكترونية متابعة دقيقة لكل العمليات وتسهيل التواصل بين المهنيين وإدارة الضرائب”.
وأكد شناني أن نجاح هذه الخطوة يعتمد على قدرة الجميع على التأقلم مع التغيرات التقنية التي تتطلب تكوينا ومتابعة دقيقين، منبها إلى أن الانتقال إلى النظام الرقمي سيحتاج إلى بعض الوقت والتأقلم، لافتا إلى أنه “ستظهر في البداية بعض المشاكل التقنية أو الإدارية؛ ولكن مع مرور الوقت، ستكون الرقابة الرقمية أداة فعالة لتحسين النظام الجبائية بالمملكة”.
وأضاف الخبير المحاسب المتخصص في تدبير المنازعات الجبائية، في تصريح لهسبريس، أن “الغرامات ستلعب دورا حاسما في الحد من التهرب الضريبي. كما أن إلزام المهنيين بتسجيل العقود إلكترونيا سيساهم في تقليص الفجوة الضريبية، التي كانت تمثل تحديا كبيرا لتدبير الموارد العمومية في المملكة”، مشددا على أن التقنية الحديثة تجعل من السهل تتبع العمليات، وتوفر حماية لكل من الدولة والمستثمرين على حد سواء”.
تأثير على المحافظين
من بين النقاط المهمة التي جرى تسليط الضوء عليها في التدابير الواردة مشروع القانون الجديد هي تلك المتعلقة بالمحافظين العقاريين؛ فوفقا للتعديلات، يمنع على المحافظين العقاريين تسلم أي عقد ما لم يكن مرفقا بشهادة صادرة عن إدارة الضرائب تؤكد أن جميع إجراءات التسجيل قد تمت، وأن الرسوم المستحقة جرى بالفعل أداؤها، حيث يأتي هذا في إطار تعزيز الرقابة على المعاملات العقارية وضمان التزام جميع الأطراف بالقوانين الجديدة.
وأكد محمد أورايس، موثق في الدار البيضاء، أن التدابير الجديد الواردة في المشروع المالي للسنة المقبلة ستساهم في تحسين مناخ الأعمال في المغرب، حيث ستوفر حماية أكبر للمستثمرين وستقلل من حالات التلاعب في المعاملات العقارية؛ فيما ستتيح تقليص زمن معالجة الملفات العقارية، ما سيعزز من جاذبية السوق العقارية بالمملكة.
في السياق ذاته، أبرز أورايس، في تصريح لهسبريس، أن “منع المحافظين من تسلم العقود غير المرفقة بشهادة من إدارة الضرائب هو إجراء ضروري لضمان أن جميع الأطراف تمتثل للقوانين. كما أنه سيقلل من التأخير الذي كان يحدث في السابق نتيجة عدم التزام بعض المهنيين بتوجيه العقود في الوقت المناسب، مشيرا إلى أن هذه الإجراءات ستدفع الجميع إلى الالتزام بالقوانين بشكل أكبر؛ فيما ستكون الرقابة الرقمية والغرامات الرادعة وسيلة قوية لمواجهة التهرب الضريبي، وضمان شفافية وفعالية جميع العمليات.
يشار إلى أن التدابير الجديدة التي جاء بها مشروع قانون المالية لسنة 2025 تمثل خطوة مهمة نحو تعزيز الشفافية والحد من التهرب الضريبي بالمملكة، خصوصا أن الرقمنة والغرامات المالية ليست فقط أداة لضبط العمليات الإدارية؛ بل هي وسيلة لتحسين بيئة الأعمال وضمان أن جميع الأطراف تلتزم بالقوانين.
0 تعليق